فصل: فَصْلٌ: شَرَائِطُ جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: فِي الِاسْتِخْلَافِ:

ثُمَّ الْكَلَامُ فِي الِاسْتِخْلَافِ.
فِي مَوَاضِعَ: أَحَدِهَا فِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالثَّانِي فِي شَرَائِطِ جَوَازِهِ، وَالثَّالِثِ فِي بَيَانِ حُكْمِ الِاسْتِخْلَافِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ وَيُصَلِّي الْقَوْمُ وُحْدَانًا بِلَا إمَامٍ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْإِمَامِ إذْ هُوَ فِي نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُنْفَرِدِ فَلَا يَمْلِكُ النَّقْلَ إلَى غَيْرِهِ وَكَذَا الْقَوْمُ لَا يَمْلِكُونَ النَّقْلَ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْإِمَامَةُ لَا بِتَفْوِيضٍ مِنْهُمْ بَلْ بِاقْتِدَائِهِمْ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ الِاقْتِدَاءُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالتَّكْبِيرَةِ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ فِي حَقِّ الثَّانِي بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ وِلَايَاتٍ تَثْبُتُ لَهُ شَرْعًا بِالتَّفْوِيضِ وَالْبَيْعَةِ كَمَا يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ وَالْقَاضِي فَيَقْبَلُ التَّمْلِيكَ وَالْعَزْلَ لَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَقَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَلْيُقَدِّمْ مَنْ لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ».
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمَّا أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ وَقَدْ افْتَتَحَ أَبُو بَكْرٍ الصَّلَاةَ فَلَمَّا سَمِعَ حِسَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَخَّرَ وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَافْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ» وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْمُضِيِّ لِكَوْنِ الْمُضِيِّ مِنْ بَابِ التَّقَدُّمِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} فَصَارَ هَذَا أَصْلًا فِي حَقِّ كُلِّ إمَامٍ عَجَزَ عَنْ الْإِتْمَامِ أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيَسْتَخْلِفَ غَيْرَهُ، وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَتَأَخَّرَ وَقَدَّمَ رَجُلًا، وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلُهُ؛ وَلِأَنَّ بِهِمْ حَاجَةً إلَى تَمَامِ صَلَاتِهِمْ بِالْإِمَامِ وَقَدْ الْتَزَمَ الْإِمَامُ ذَلِكَ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ بِنَفْسِهِ يَسْتَعِينُ بِمَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُمْ كَيْ لَا تَبْطُلَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ بِالْمُنَازَعَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الْإِمَامَ لَا وِلَايَةَ لَهُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَهُ وِلَايَةُ الْمَتْبُوعِيَّةِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَأَنْ لَا تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ إلَّا بِنَاءً عَلَى صَلَاتِهِ وَأَنْ يَقْرَأَ فَتَصِيرَ قِرَاءَتُهُ قِرَاءَةً لَهُمْ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْإِمَامَةِ بِنَفْسِهِ مَلَكَ النَّقْلَ إلَى غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الْإِمَامَةَ الْكُبْرَى عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْخِلَافَةِ لَا مِنْ بَابِ التَّفْوِيضِ وَالتَّمْلِيكِ فَإِنَّ الثَّانِيَ يَخْلُفُ الْأَوَّلَ فِي بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ كَالْوَارِثِ يَخْلُفُ الْمَيِّتَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِهِ وَالْخِلَافَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى الْوِلَايَةِ وَالْأَمْرِ بَلْ شَرْطُهَا الْعَجْزُ، وَإِنَّمَا التَّقْدِيمُ مِنْ الْإِمَامِ لِلتَّعْيِينِ كَيْ لَا تَبْطُلَ بِالْمُنَازَعَةِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ خَلْفَهُ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ يَصِيرُ إمَامًا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ وَلَا فَوَّضَ إلَيْهِ، وَكَذَا التَّقْدِيمُ مِنْ الْقَوْمِ لِلتَّعْيِينِ دُونَ التَّفْوِيضِ فَصَارَ كَالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى فَإِنَّ الْبَيْعَةَ لِلتَّعْيِينِ لَا لِلتَّمْلِيكِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ يَمْلِكُ أُمُورًا لَا تَمْلِكُهَا الرَّعِيَّةُ وَهِيَ إقَامَةُ الْحُدُودِ فَكَذَا هَذَا فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ وَاسْتَخْلَفَ الْقَوْمُ رَجُلًا جَازَ مَا دَامَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ اسْتَخْلَفَ كَانَ سَعْيُهُ لِلْقَوْمِ نَظَرًا لَهُمْ كَيْ لَا تَبْطُلَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ فَإِذَا فَعَلُوا بِأَنْفُسِهِمْ جَازَ كَمَا فِي الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى لَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ غَيْرَهُ وَمَاتَ وَاجْتَمَعَ أَهْلُ الرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ وَنَصَّبُوا مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ فَعَلَ فَعَلَ لَهُمْ فَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ لِحَاجَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ كَذَا هَذَا، وَلَوْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ وَتَقْدِيمِ الْقَوْمِ وَالْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بِهِ حَاجَةً إلَى صِيَانَةِ صَلَاتِهِ وَلَا طَرِيقَ لَهَا عِنْدَ امْتِنَاعِ الْإِمَامِ عَنْ الِاسْتِخْلَافِ وَالْقَوْمِ عَنْ التَّقْدِيمِ إلَّا ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا ائْتَمُّوا بِهِ فَقَدْ رَضُوا بِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُمْ قَدَّمُوهُ، وَلَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ أَوْ الْقَوْمُ رَجُلَيْنِ فَإِنْ وَصَلَ أَحَدُهُمَا إلَى مَوْضِعِ الْإِمَامَةِ قَبْلَ الْآخَرِ تَعَيَّنَ هُوَ لِلْإِمَامَةِ.
وَجَازَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الثَّانِي وَصَلَاةُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا تَقَدَّمَ بِتَقْدِيمِ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ لِتَقْدِيمٍ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَصَارَ إمَامًا لِلْكُلِّ كَالْأَوَّلِ فَصَارَ الْإِمَامُ الثَّانِي وَمَنْ اقْتَدَى بِهِ مُنْفَرِدِينَ عَمَّنْ صَارَ إمَامًا لَهُمْ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ لِمَا مَرَّ مِنْ الْفِقْهِ، وَإِنْ وَصَلَا مَعًا فَإِنْ اقْتَدَى الْقَوْمُ بِأَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ هُوَ لِلْإِمَامَةِ وَإِنْ اقْتَدَوْا بِهِمَا جَمِيعًا بَعْضُهُمْ بِهَذَا وَبَعْضُهُمْ بِذَاكَ فَإِنْ اسْتَوَتْ الطَّائِفَتَانِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَصِحَّ اسْتِخْلَافُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ لِمَكَانِ التَّعَارُضِ فَبَطَلَتْ إمَامَتُهُمَا وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ لِخُرُوجِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ عَنْ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ خَلِيفَةٍ لِلْقَوْمِ وَلِأَدَائِهِمْ الصَّلَاةَ مُنْفَرِدِينَ فِي حَالِ وُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: صَحَّ تَقْدِيمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ تَرْجِيحِ الْفَرِيقَيْنِ الْآخَرَ عَلَيْهِ فَجُعِلَ فِي حَقِّ كُلِّ فَرِيقٍ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ إمَامُ كُلِّ طَائِفَةٍ إمَامًا لِلْكُلِّ كَإِمَامِ أَكْثَرِ الطَّائِفَتَيْنِ عِنْدَ التَّفَاوُتِ وَعَدَمِ الِاسْتِوَاءِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى إمَامِ كُلِّ طَائِفَةٍ وَمَنْ تَابَعَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْآخَرِ فَإِنْ لَمْ يَقْتَدُوا جُعِلُوا مُنْفَرِدِينَ أَوْ أَنَّ وُجُوبَ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ اقْتَدَوْا أَدَّوْا صَلَاةً وَاحِدَةً فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بِإِمَامَيْنِ وَذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ فَلَمْ يَجُزْ.
وَلَوْ كَانَتْ الطَّائِفَتَانِ عَلَى التَّفَاوُتِ فَإِنْ اقْتَدَى جَمَاعَةُ الْقَوْمِ بِأَحَدِ الْإِمَامَيْنِ إلَّا رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ اقْتَدَيَا بِالثَّانِي فَصَلَاةُ مِنْ اقْتَدَى بِهِ الْجَمَاعَةُ صَحِيحَةٌ وَصَلَاةُ الْآخَرِ وَمَنْ اقْتَدَى بِهِ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا وَصَلَا مَعًا وَقَدْ تَعَذَّرَ أَنْ يَكُونَا إمَامَيْنِ فلابد مِنْ التَّرْجِيحِ وَأَمْكَنَ التَّرْجِيحُ بِالْكَثْرَةِ نَصًّا وَاعْتِبَارًا، أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ»، وَقَوْلُهُ «مَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ»، وَقَوْلُهُ «كَدَرُ الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِنْ صَفْوِ الْفِرْقَةِ».
وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ فَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى حَتَّى قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الشُّورَى: إنْ اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ وَخَالَفَهُمْ وَاحِدٌ فَاقْتُلُوهُ، وَإِنْ اقْتَدَى بِكُلِّ إمَامٍ جَمَاعَةٌ لَكِنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْ الْآخَرِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: تَفْسُدُ صَلَاةُ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا وَإِلَيْهِ مَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فَقَالَ: إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمْعٌ تَامٌّ يَتِمُّ بِهِ نِصَابُ الْجُمُعَةِ فَيَكُونُ الْأَقَلُّ مُسَاوِيًا لِلْأَكْثَرِ حُكْمًا كَالْمُدَّعِيَيْنِ يُقِيمُ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَازَتْ صَلَاةُ الْأَكْثَرِينَ وَتَعَيَّنَ الْفَسَادُ فِي الْآخَرِينَ كَمَا فِي الْوَاحِدِ وَالْمُثَنَّى، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الشَّيْخُ صَدْرُ الدِّينِ أَبُو الْمُعِينِ وَاسْتَدَلَّ بِوَضْعِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ: إذَا قَدَّمَ الْقَوْمُ أَوْ الْإِمَامُ رَجُلَيْنِ فَأَمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً جَازَتْ صَلَاةُ أَكْثَرِ الطَّائِفَتَيْنِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ لَوْ كَانَتْ جَمَاعَةً تَرْجَحُ أَيْضًا بِالْكَثْرَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الطَّائِفَةِ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ لَدَخَلَ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ كَانَ جَمَاعَةً كَثِيرَةً وَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ أَمِيرَ عَسْكَرٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَالَ: مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ فَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْهُ فَجَاءَ رَجُلٌ بِرُءُوسٍ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَنْفُلُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى حَتَّى إنَّهُ لَوْ أُعْطِيَ نِصْفَ مَا أَتَى بِهِ أَوْ أَكْثَرَ بِأَنْ كَانَتْ الرُّءُوسُ عَشْرَةً فَرَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُعْطِيَ تِسْعَةً مِنْ ذَلِكَ لِهَذَا الرَّجُلِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ اسْمَ الطَّائِفَةِ يَقَعُ عَلَى الْجَمَاعَةِ فَيُرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ لِمَا مَرَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
هَذَا إذَا كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ فَأَمَّا إذَا كَانَ خَلْفَهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ صَارَ إمَامًا نَوَى الْإِمَامَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ، قَامَ فِي مَكَانِ الْإِمَامِ أَوْ لَمْ يَقُمْ، قَدَّمَهُ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْمِ لِلْإِمَامَةِ مَا لَمْ يُقَدِّمْهُ أَوْ يَتَقَدَّمْ حَتَّى بَقِيَتْ الْإِمَامَةُ لِلْأَوَّلِ كَانَ بِحُكْمِ التَّعَارُضِ وَعَدَمِ تَرْجِيحِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ، وَهَاهُنَا لَا تَعَارُضَ فَتَعَيَّنَ هُوَ لِحَاجَتِهِ إلَى إبْقَاءِ صَلَاتِهِ عَلَى الصِّحَّةِ وَصَلَاحِيَّتِهِ لِلْإِمَامَةِ حَتَّى إنَّ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ لَوْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ هَذَا الثَّانِي، وَالثَّانِي لَوْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَارَ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِي بِالثَّانِي وَفَسَادُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي لَا تُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَلِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَثَرٌ فِي فَسَادِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَدَخَلَ فِي صَلَاةِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ تَحَوَّلَتْ إلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَوَجَدَ الْمَاءَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَوَضَّأَ قَالَ: يُتِمُّ صَلَاتَهُ مُقْتَدِيًا بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لِلْإِمَامَةِ فَبِنَفْسِ انْصِرَافِهِ تَتَحَوَّلُ الْإِمَامَةُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ فَتَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ عَادَ إلَى مَكَانِ الْإِمَامَةِ وَصَلَّى بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ لَا تَتَحَوَّلُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا بِالِاسْتِخْلَافِ وَلَمْ يُوجَدْ، فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ وَاقْتَدَى بِهَذَا الثَّانِي ثُمَّ أَحْدَثَ الثَّانِي صَارَ الثَّالِثُ إمَامًا لِتَعَيُّنِهِ لِذَلِكَ فَإِنْ أَحْدَثَ الثَّالِثُ وَخَرَجَ قَبْلَ رُجُوعِهِمَا أَوْ رُجُوعِ أَحَدِهِمَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ لَمَّا صَارَ إمَامًا صَارَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مُقْتَدِيَيْنِ بِهِ فَإِذَا خَرَجَ هُوَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مُنْفَرِدٌ وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؛ لِأَنَّ إمَامَهُمَا خَرَجَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَتَحَقَّقَ تَبَايُنُ الْمَكَانِ فَفَسَدَ الِاقْتِدَاءُ لِفَوْتِ شَرْطِهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْبُقْعَةِ، وَإِنْ كَانَ تَبَايُنُ الْمَكَانِ مَوْجُودًا حَالَ بَقَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ شَرْعًا لِحَاجَةِ الْمُقْتَدِي إلَى صِيَانَةِ صَلَاتِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَهَاهُنَا لَا حَاجَةَ لِكَوْنِ ذَلِكَ فِي حَدِّ النُّدْرَةِ وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ثُمَّ خَرَجَ الثَّالِثُ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ الرَّاجِعَ صَارَ إمَامًا لَهُمْ لِتَعَيُّنِهِ.
وَلَوْ رَجَعَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَإِنْ قُدِّمَ أَحَدُهُمَا صَارَ هُوَ الْإِمَامُ وَإِنْ لَمْ يُقَدَّمْ حَتَّى خَرَجَ الثَّالِثُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَصِرْ إمَامًا لِلتَّعَارُضِ وَعَدَمِ التَّرْجِيحِ فَبَقِيَ الثَّالِثُ إمَامًا فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ شَرْطُ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْبُقْعَةِ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا.

.فَصْلٌ: شَرَائِطُ جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ:

وَأَمَّا شَرَائِطُ جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ.
فَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ شَرْطُ جَوَازِ الْبِنَاءِ فَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ حَتَّى لَا يَجُوزَ مَعَ الْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْكَلَامِ وَالْقَهْقَهَةِ وَسَائِرِ نَوَاقِضِ الصَّلَاةِ كَمَا لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ مَعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ يَكُونُ لِلْقَائِمِ وَلَا قِيَامَ لِلصَّلَاةِ مَعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَلْ تَفْسُدُ وَلَوْ حُصِرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ حُكْمٌ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ وَأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ الَّذِي هُوَ غَالِبُ الْوُقُوعِ، وَالْحَصْرُ فِي الْقِرَاءَةِ لَيْسَ نَظِيرَهُ فَالنَّصُّ الْوَارِدُ ثَمَّةَ لَا يَكُونُ وَارِدًا هُنَا وَصَارَ كَالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَالِاحْتِلَامِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِخْلَافَ، كَذَا هَذَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّا جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ هاهنا بِالنَّصِّ الْخَاصِّ لَا بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِجَمَاعَةٍ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَوَجَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً فَحَضَرَ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا أَحَسَّ الصِّدِّيقُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضَرَ فِي الْقِرَاءَةِ فَتَأَخَّرَ وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ»، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَازَ لَهُ يَكُونُ جَائِزًا لِأُمَّتِهِ هُوَ الْأَصْلُ لِكَوْنِهِ قُدْوَةً.
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الِاسْتِخْلَافُ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ خَرَجَ عَنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يُقَدِّمَ هُوَ أَوْ يُقَدِّمَ الْقَوْمُ إنْسَانًا أَوْ يَتَقَدَّمَ أَحَدٌ بِنَفْسِهِ فَصَلَاةُ الْقَوْمِ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ مَكَانُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ فَبَطَلَ الِاقْتِدَاءُ لِفَوْتِ شَرْطِهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْمَكَانِ وَهَذَا لِأَنَّ غَيْرَهُ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ بَقِيَ هُوَ إمَامًا فِي نَفْسِهِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِمَامَةِ لِقِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ وَانْتِقَالِ الْإِمَامَةِ إلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَالْمَكَانُ قَدْ اخْتَلَفَ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلَا تُشْكِلُ.
وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ وَلَيْسَتْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعُدَ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ كُلَّهُ بِمَنْزِلَةِ بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ حُكْمًا وَلِهَذَا حُكِمَ بِجَوَازِ الِاقْتِدَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ كَذَلِكَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ بِخِلَافِ الْمُقْتَدِي إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ حَيْثُ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَإِنْ فَاتَ شَرْطُ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْمَكَانِ فَإِنَّ هُنَاكَ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ صِيَانَةَ صَلَاتِهِ لَنْ تَحْصُلَ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ هُوَ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَإِنَّ صِيَانَةَ صَلَاةِ الْقَوْمِ تُمْكِنُهُ بِأَنْ يَسْتَخْلِفَ الْإِمَامُ أَوْ يُقَدِّمَ الْقَوْمُ رَجُلًا أَوْ يَتَقَدَّمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا فَقَدْ فَرَضُوا وَمَا سَعَوْا فِي صِيَانَةِ صَلَاتِهِمْ فَتَفْسُدُ عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا الْمُقْتَدِي فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي وُسْعِهِ فَبَقِيَتْ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِتْمَامِ.
وَأَمَّا حَالُ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْأَصْلِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ اسْتِخْلَافِهِ لَمَّا أَثَّرَ فِي فَسَادِ صَلَاةِ الْقَوْمِ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي فَسَادِ صَلَاتِهِ أَوْلَى، وَذَكَرَ أَبُو عِصْمَةَ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُنْفَرِدِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَالْمُنْفَرِدُ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ بَقِيَتْ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً كَذَا هَذَا.
وَلَوْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ صُفُوفٌ مُتَّصِلَةٌ فَخَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَفْسُدُ حَتَّى لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ رَجُلًا مِنْ الصُّفُوفِ الْخَارِجَةِ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَصِحُّ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَوَاضِعَ الصُّفُوفِ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ جَازَ اسْتِخْلَافُهُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ؟ فَجَعَلَ الْكُلَّ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ وَلَهُمَا أَنَّ الْبُقْعَةَ مُخْتَلِفَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهُ أَعْطَى لَهَا حُكْمَ الِاتِّحَادِ إذَا كَانَتْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً بِالْمَسْجِدِ فِي حَقِّ الْخَارِجِ عَنْ الْمَسْجِدِ خَاصَّةً لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ فَلَا يَظْهَرُ الِاتِّحَادُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ كَبَّرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَبَّرَ الْقَوْمُ بِتَكْبِيرِهِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ تَنْعَقِدْ الْجُمُعَةُ؟ وَإِذَا ظَهَرَ حُكْمُ اخْتِلَافِ الْبُقْعَةِ فِي حَقِّ الْمُسْتَخْلِفِ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِخْلَافُ هَذَا إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ فَمُجَاوَزَةُ الصُّفُوفِ بِمَنْزِلَةِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ أَوْ عَلَى يَسَارِهِ أَوْ خَلْفَهُ فَإِنْ مَشَى أَمَامَهُ وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَإِنْ جَاوَزَ مِقْدَارَ الصُّفُوفِ الَّتِي خَلْفَهُ أُعْطِيَ لَهُ حُكْمَ الْخُرُوجِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ إذَا جَاوَزَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ يُعْطَى لِدَاخِلِ السُّتْرَةِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ لِمَا مَرَّ.
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمُقَدِّمُ صَالِحًا لِلْخِلَافَةِ حَتَّى لَوْ اسْتَخْلَفَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ كَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ لَا يَصْلُحُ خَلِيفَةً فَكَانَ اشْتِغَالُهُ بِاسْتِخْلَافِ مَنْ لَا يَصْلُحُ خَلِيفَةً لَهُ عَمَلًا كَثِيرًا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ فَكَانَ إعْرَاضًا عَنْ الصَّلَاةِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا اسْتَخْلَفَهُ فَقَدْ اقْتَدَى بِهِ وَمَتَى صَارَ هُوَ مُقْتَدِيًا بِهِ صَارَ الْقَوْمُ أَيْضًا مُقْتَدِينَ بِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِالْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ لَا يَصِحُّ فَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ جَمِيعًا وَهَذَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ حَدَثَ الْإِمَامِ إذَا تَبَيَّنَ لِلْقَوْمِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ عِنْدَنَا فَكَذَا فِي حَالِ الِاسْتِخْلَافِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا اقْتَدَوْا بِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مُحْدِثًا لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَإِذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ ثُمَّ عَلِمُوا بَعْدَ الْفَرَاغِ فَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ فَكَذَا فِي حَالِ الِاسْتِخْلَافِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِخْلَافَ الْمُحْدِثِ صَحِيحٌ حَتَّى لَا تَفْسُدَ صَلَاتُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا قَدَّمَ الْإِمَامُ رَجُلًا وَالْمُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَلَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ يَنْوِي أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ حَتَّى قَدَّمَ غَيْرَهُ صَحَّ الِاسْتِخْلَافُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْخِلَافَةِ؛ لَمَا صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ غَيْرَهُ وَلَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بِاسْتِخْلَافِهِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ فَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْقَوْمِ وَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُ الْمُقَدَّمِ غَيْرَهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ مِنْ أَهْلِ الْإِمَامَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا التَّعَذُّرُ لِمَكَانِ الْحَدَثِ فَصَارَ أَمْرُهُ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِ الْإِمَامِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَدَّمَ صَبِيًّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَصْلُحُ خَلِيفَةً لِلْإِمَامِ فِي الْفَرْضِ كَمَا لَا يَصْلُحُ أَصِيلًا فِي الْإِمَامَةِ فِي الْفَرَائِضِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِنَا أَيْضًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْبَالِغِ بِالصَّبِيِّ فِي الْمَكْتُوبَةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَصِحُّ، وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ.
وَكَذَلِكَ إنْ قَدَّمَ الْإِمَامُ الْمُحْدِثُ امْرَأَةً فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْإِمَامِ وَالْمُقَدَّمِ، وَقَالَ زُفَرُ صَلَاةُ الْمُقَدَّمِ وَالنِّسَاءِ جَائِزَةٌ وَإِنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الرِّجَالِ، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَصْلُحُ لِإِمَامَةِ النِّسَاءِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا لَا تَصْلُحُ لِإِمَامَةِ الرِّجَالِ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصْلُحُ لِإِمَامَةِ الرِّجَالِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» فَصَارَ بِاسْتِخْلَافِهِ إيَّاهَا مُعْرِضًا عَنْ الصَّلَاةِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ لَمْ تَتَحَوَّلْ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَدَّمَ الْأُمِّيَّ أَوْ الْعَارِيَ أَوْ الْمُومِيَ وَقَالَ زُفَرُ: إنَّ الْإِمَامَ إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ فَاسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ؛ لِاسْتِوَاءِ حَالِ الْقَارِئِ وَالْأُمِّيِّ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِتَأَدِّي فَرْضِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ اسْتِخْلَافَ مَنْ لَا يَصْلُحُ إمَامًا لَهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَخْلَفَهُ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَا تَفْسُدُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِوُجُودِ الصُّنْعِ مِنْهُ هاهنا وَهُوَ الِاسْتِخْلَافُ، إلَّا أَنَّ بِنَاءَ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ غَيْرُ سَدِيدٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي فَصْلِ التَّيَمُّمِ، وَالْأَصْلُ فِي بَابِ الِاسْتِخْلَافِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْإِمَامِ بِهِ يَصْلُحُ خَلِيفَةً لَهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُتَيَمِّمًا فَأَحْدَثَ فَقَدَّمَ مُتَوَضِّئًا جَازَ؛ لِأَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُتَيَمِّمِ بِالْمُتَوَضِّئِ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ.
وَلَوْ قَدَّمَهُ ثُمَّ وَجَدَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ الْمَاءَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ تَحَوَّلَتْ مِنْهُ إلَى الثَّانِي وَصَارَ هُوَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْقَوْمِ فَفَسَادُ صَلَاتِهِ لَا يَتَعَدَّى إلَى صَلَاةِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ مُتَوَضِّئًا وَالْخَلِيفَةُ مُتَيَمِّمًا فَوَجَدَ الْخَلِيفَةُ الْمَاءَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْأَوَّلِ وَالْقَوْمِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ تَحَوَّلَتْ إلَيْهِ وَصَارَ الْأَوَّلُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْمُقْتَدِينَ بِهِ، وَفَسَادُ صَلَاةِ الْإِمَامِ يَتَعَدَّى إلَى صَلَاةِ الْقَوْمِ.
وَلَوْ قَدَّمَ مَسْبُوقًا جَازَ وَالْأَوْلَى لِلْإِمَامِ الْمُحْدِثِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مُدْرِكًا لَا مَسْبُوقًا؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ الصَّلَاةِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ» وَمَعَ هَذَا لَوْ قَدَّمَ الْمَسْبُوقَ جَازَ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْقِيَامِ بِجَمِيعِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَفْعَالِ.
وَلَوْ تَقَدَّمَ مَعَ هَذَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْإِمَامَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ الْأَرْكَانِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَإِذَا انْتَهَى إلَى السَّلَامِ يَسْتَخْلِفُ هَذَا الثَّانِي رَجُلًا أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ السَّلَامِ لِبَقَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ كَاَلَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَثَبَتَتْ لَهُ وِلَايَةُ اسْتِخْلَافِ غَيْرِهِ فَيُقَدِّمُ مُدْرِكًا لِيُسَلِّمَ ثُمَّ يَقُومُ هُوَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ، وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ صَارَ إمَامًا فَيُخْرِجُ الْأَوَّلَ مِنْ الْإِمَامَةِ ضَرُورَةُ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَكُونُ لَهَا إمَامَانِ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ إمَامًا وَقَدْ بَقِيَ هُوَ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ صَارَ مُقْتَدِيًا ضَرُورَةً فَإِنْ تَوَضَّأَ الْأَوَّلُ وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ الثَّانِي مِنْ بَقِيَّةِ صَلَاةِ الْأَوَّلِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ لِمَا مَرَّ.
وَلَوْ قَعَدَ الْإِمَامُ الثَّانِي فِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ قَهْقَهَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَصَلَاتُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي لَاقَتْهُ الْقَهْقَهَةُ مِنْ صَلَاتِهِ قَدْ فَسَدَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَرْكَانٌ وَمَنْ بَاشَرَ الْمُفْسِدَ قَلَّ أَدَاءُ جَمِيعِ الْأَرْكَانِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْمُقْتَدِينَ الَّذِينَ لَيْسُوا بِمَسْبُوقِينَ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّ جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِمْ وَإِنْ فَسَدَ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَكِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْأَفْعَالِ وَصَلَاتُهُمْ بِدُونِ هَذَا الْجُزْءِ جَائِزَةٌ فَحُكِمَ بِجَوَازِهَا.
وَأَمَّا الْمَسْبُوقُونَ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجُزْءَ مِنْ صَلَاتِهِمْ قَدْ فَسَدَ وَعَلَيْهِمْ أَرْكَانٌ لَمْ تُؤَدَّ بَعْدُ كَمَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ الثَّانِي، فَأَمَّا الْإِمَامُ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ خَلْفَ الْإِمَامِ الثَّانِي مَعَ الْقَوْمِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُدْرِكِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ لَمْ يَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ الثَّانِي فِي الصَّلَاةِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ وَذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ.
وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ قَهْقَهَةَ الْإِمَامِ كَقَهْقَهَةِ الْمُقْتَدِي فِي إفْسَادِ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَسْبُوقِينَ فَاسِدَةٌ وَلَوْ قَهْقَهَ الْمُقْتَدِي نَفْسُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِبَقَاءِ الْأَرْكَانِ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَالْمَسْبُوقِينَ إنَّمَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي لَاقَتْهُ الْقَهْقَهَةُ وَأَفْسَدَتْهُ مِنْ وَسَطِ صَلَاتِهِمْ فَإِذَا فَسَدَ الْجُزْءُ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَّا هَذَا الْجُزْءُ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُدْرِكٌ أَوَّلَ الصَّلَاةِ فَمِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِمَا تَرَكَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَأْتِي بِمَا يُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَيَأْتِي بِهِ وَحْدَهُ فَلَا يَكُونُ فَسَادُ هَذَا الْجُزْءِ مُوجِبًا فَسَادَ صَلَاتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ أَتَى وَصَلَّى مَا تَرَكَهُ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ وَصَلَّى بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ وَقَعَدَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَهْقَهَ الْإِمَامُ الثَّانِي لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ كَذَا هَذَا، وَلَوْ كَانَ الَّذِينَ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُحْدِثِ كُلَّهُمْ مَسْبُوقِينَ يُنْظَرُ إنْ بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ وَاحِدًا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ يَصْلُحُ خَلِيفَةً لِمَا بَيَّنَّا فَيُتِمُّ صَلَاةَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْقَوْمُ يَقُومُونَ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَيُصَلُّونَ وُحْدَانًا وَإِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْإِمَامِ شَيْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ قَامُوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلِّمُوا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ وُحْدَانًا لِوُجُوبِ الِانْفِرَادِ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ رَكْعَةً ثُمَّ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا نَامَ عَنْ هَذِهِ الرَّكْعَةِ وَقَدْ أَدْرَكَ أَوَّلَهَا أَوْ كَانَ ذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ جَازَ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَهُ وَلَا لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَإِنْ قُدِّمَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَ هُوَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبِدَايَةِ بِمَا فَاتَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَقَدَّمَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِتْمَامِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِذَا تَقَدَّمَ يَنْبَغِي أَنْ يُشِيرَ إلَيْهِمْ بِأَنْ يَنْتَظِرُوهُ لِيُصَلِّيَ مَا فَاتَهُ وَقْتَ نَوْمِهِ أَوْ ذَهَابِهِ لِلتَّوَضُّؤِ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ هَكَذَا وَلَكِنَّهُ أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَدَّمَ مُدْرِكًا وَسَلَّمَ بِهِمْ ثُمَّ قَامَ فَقَضَى مَا فَاتَهُ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْبِدَايَةِ بِالرَّكْعَةِ الْأَوْلَى فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ الْمَأْمُورَ بِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا بَدَأَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُتَابِعَ الْإِمَامَ فِيمَا أَدْرَكَ مَعَهُ، وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَالِهَا وَالتَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَوْ ثَبَتَ افْتِرَاضُهُ لَكَانَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَرْكَانِ وَالْفَرَائِضِ وَذَا جَارٍ مَجْرَى النَّسْخِ وَلَا يَثْبُتُ نَسْخُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ مِثْلِهِ وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ جَعَلَ التَّرْتِيبَ فَرْضًا يُسَاوِي دَلِيلَ افْتِرَاضِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى إلَى آخِرِ صَلَاتِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَرْضًا لَفَسَدَتْ، وَكَذَا الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ يُتَابِعُهُ فِيهِ فَدَلَّ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَتَرْكُهَا لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ هُنَاكَ لَيْسَ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ بَلْ لِلْعَمَلِ بِالْمَنْسُوخِ أَوْ لِلِانْفِرَادِ عِنْدَ وُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ ذَكَرَ رَكْعَتَهُ الثَّانِيَةَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُومِئَ إلَيْهِمْ لِيَنْتَظِرُوهُ حَتَّى يَقْضِيَ تِلْكَ الرَّكْعَةَ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَأَخَّرَ حِينَ تَذَكَّرَ ذَلِكَ وَقَدَّمَ رَجُلًا مِنْهُمْ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ فَهُوَ أَفْضَلُ أَيْضًا كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِرَكْعَتِهِ ثُمَّ تَأَخَّرَ وَقَدَّمَ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ جَازَ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا.
وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ الْمُحْدِثُ مُسَافِرًا وَخَلْفَهُ مُقِيمُونَ وَمُسَافِرُونَ فَقَدَّمَ مُقِيمًا جَازَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُقَدِّمَ مُقِيمًا وَلَوْ قَدَّمَهُ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ مَعَ هَذَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إتْمَامِ أَرْكَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا يَعْجِزُ عَنْ الْخُرُوجِ وَهُوَ لَيْسَ بِرُكْنٍ فَإِذَا أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ تَأَخَّرَ هُوَ وَقَدَّمَ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَاجِزٍ عَنْ الْخُرُوجِ فَيَسْتَخْلِفُ مُسَافِرًا حَتَّى يُسَلِّمَ فَإِذَا سَلَّمَ قَامَ هُوَ وَبَقِيَّةُ الْمُقِيمِينَ وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ وُحْدَانًا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ أَحْدَثَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا.
وَلَوْ مَضَى الْإِمَامُ الثَّانِي فِي صَلَاتِهِ مَعَ الْقَوْمِ حَتَّى أَتَمَّهَا يَعْنِي صَلَاةَ الْإِقَامَةِ فَإِنْ كَانَ قَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَصَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْمُسَافِرِينَ تَامَّةٌ، أَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّ مَا الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ رَكْعَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ وَرَكْعَتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ وَقَدْ فَعَلَ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا تَتَعَلَّقُ صَلَاتُهُ بِصَلَاةِ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا الْمُسَافِرُونَ فَلِأَنَّهُمْ انْتَقَلُوا إلَى النَّفْلِ بَعْدَ إكْمَالِ الْفَرْضِ وَذَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا صَلَاةُ الْمُقِيمِينَ فَفَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَعَدُوا قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ انْقَضَتْ مُدَّةُ اقْتِدَائِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ أَنْ يُصَلُّوا الْأُولَيَيْنِ مُقْتَدِينَ بِهِ وَالْأُخْرَيَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ فَإِذَا اقْتَدَوْا فِيهِمَا فَقَدْ اقْتَدَوْا فِي حَالِ وُجُوبِ الِانْفِرَادِ وَبَيْنَهُمَا مُغَايَرَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَبِالِاقْتِدَاءِ خَرَجُوا عَمَّا كَانُوا دَخَلُوا فِيهِ وَهُوَ الْفَرْضُ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ الْمَفْرُوضَةُ وَمَا دَخَلُوا فِيهِ دَخَلُوا بِدُونِ التَّحْرِيمَةِ وَلَا شُرُوعَ بِدُونِ التَّحْرِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ صَارَتْ فَرْضًا فِي حَقِّ الْإِمَامِ الثَّانِي لِكَوْنِهِ خَلِيفَةَ الْأَوَّلِ فَإِذَا تَرَكَ الْقَعْدَةَ فَقَدْ تَرَكَ مَا هُوَ فَرْضٌ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْمُسَافِرِينَ لِتَرْكِهِمْ الْقَعْدَةَ الْمَفْرُوضَةَ أَيْضًا وَلِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْمُقِيمِينَ بِفَسَادِ صَلَاةِ إمَامِهِمْ بِتَرْكِهِ الْقَعْدَةَ الْمَفْرُوضَةَ.
وَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا أَمَّ قَوْمًا مُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَةً ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدَّمَ رَجُلًا دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ سَاعَتَئِذٍ وَهُوَ مُسَافِرٌ جَازَ لِمَا مَرَّ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّمَهُ وَلَا لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِمَا مَرَّ أَيْضًا أَنَّ غَيْرَ الْمَسْبُوقِ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَوْ قَدَّمَهُ مَعَ هَذَا جَازَ لِمَا بَيَّنَّا.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَيُتِمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَإِنْ سَهَا عَنْ الثَّانِيَةِ وَصَلَّى رَكْعَةً وَسَجَدَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدَّمَ رَجُلًا جَاءَ سَاعَتئِذٍ سَجَدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ يَتْبَعُهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى وَلَا يَتْبَعُهُ فِي الثَّانِيَةِ إلَّا أَنْ يُدْرِكَهُ بَعْدَ مَا يَقْضِي، وَالْإِمَامُ الثَّانِي لَا يَتْبَعُهُ فِي الْأُولَى وَيَتْبَعُهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِذَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَدَّمَ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ لِيُسَلِّمَ ثُمَّ يَقُومُ هُوَ فَيَقْضِي رَكْعَتَيْنِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا، وَإِنْ كَانُوا أَدْرَكُوا أَوَّلَ الصَّلَاةِ اتَّبَعَهُ كُلُّ إمَامٍ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى وَيَتْبَعُهُ الْإِمَامُ وَمَنْ بَعْدَهُ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمُدْرِكَ لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ بَلْ يَأْتِي بِالْأَوَّلِ، وَالْمَسْبُوقُ يُتَابِعُ إمَامَهُ فِيمَا أَدْرَكَ ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ، وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ الْإِمَامَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ يَقُومَانِ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَيُتِمَّانِ صَلَاتَهُ، إذَا عُرِفَ هَذَا الْأَصْلُ فَنَقُولُ: الْإِمَامُ الْأَوَّلُ لَمَّا سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَقَدَّمَ هَذَا الثَّانِيَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَيُتِمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَالْأَوَّلُ لَوْ لَمْ يَسْبِقْهُ الْحَدَثُ لَسَجَدَ هَذِهِ السَّجْدَةَ كَذَا الثَّانِي، فَلَوْ أَنَّهُ سَهَا عَنْ هَذِهِ السَّجْدَةِ وَصَلَّى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، فَلَمَّا سَجَدَ سَجْدَةً سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَقَدَّمَ رَجُلًا جَاءَ سَاعَتَئِذٍ، وَتَقَدَّمَ هَذَا الثَّالِثُ يَنْبَغِي لِهَذَا الْإِمَامِ الثَّالِثِ أَنْ يَسْجُدَ السَّجْدَتَيْنِ أَوَّلًا لِأَنَّ هَذَا الثَّالِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَالْأَوَّلُ كَانَ يَأْتِي بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ فَكَذَا هَذَا، وَإِذَا سَجَدَ الثَّالِثُ السَّجْدَةَ الْأُولَى وَكَانَ جَاءَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَإِنَّ الْأَوَّلَ يُتَابِعُهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِهِ وَانْتَهَتْ صَلَاتُهُ إلَى هَذِهِ السَّجْدَةِ فَيَأْتِي بِهَا وَكَذَا الْقَوْمُ يُتَابِعُونَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَلَّوْا تِلْكَ الرَّكْعَةَ أَيْضًا وَإِنَّمَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا تِلْكَ السَّجْدَةُ.
وَأَمَّا الْإِمَامُ الثَّانِي فَلَا يُتَابِعُهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذُكِرَ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ لِأَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ فِيهَا، وَوَجْهُهُ أَنَّ الثَّالِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ يَأْتِي بِهَذِهِ السَّجْدَةِ كَانَ يُتَابِعُهُ الثَّانِي بِأَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السَّجْدَةِ وَإِنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ غَيْرَ مَحْسُوبَةٍ مِنْ صَلَاتِهِ بَلْ يَتْبَعُهُ الْإِمَامُ فَكَذَا إذَا سَجَدَهَا الْإِمَامُ الثَّالِثُ وَيَأْتِي بِهَا الثَّانِي بِطَرِيقِ الْمُتَابَعَةِ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ السَّجْدَةَ الْأُولَى غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ الثَّالِثِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الثَّانِي مُتَابَعَتُهُ فِيهَا بَلْ هِيَ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ سَجْدَةٍ زَائِدَةٍ، وَالْإِمَامُ إذَا كَانَ يَأْتِي بِسَجْدَةٍ زَائِدَةٍ لَا يُتَابِعُهُ الْمُقْتَدِي فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ فِي السَّجْدَةِ حَيْثُ يُتَابِعُهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَحْسُوبَةٌ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ.
وَأَمَّا فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يُتَابِعُهُ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ يَأْتِي بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ إلَّا إذَا كَانَ صَلَّى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَسَجَدَ سَجْدَةً وَانْتَهَى إلَى هَذِهِ وَتَابَعَهُ الْإِمَامُ الثَّانِي فِيهَا لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ هَذِهِ الرَّكْعَةَ وَانْتَهَتْ هِيَ إلَى هَذِهِ السَّجْدَةِ فَيُتَابِعُهُ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَحْسُوبَةً لِلْإِمَامِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهَا مَحْسُوبَةٌ لِلْإِمَامِ الثَّانِي، وَكَذَا الْقَوْمُ يُتَابِعُونَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَلَّوْا هَذِهِ الرَّكْعَةَ أَيْضًا وَانْتَهَتْ إلَى هَذِهِ السَّجْدَةِ، ثُمَّ إذَا سَجَدَ الْإِمَامُ الثَّالِثُ السَّجْدَتَيْنِ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ يُقَدِّمُ مُدْرِكًا لِيُسَلِّمَ بِهِمْ لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَيَسْجُدُ الْإِمَامُ الرَّابِعُ لِلسَّهْوِ لِيَجْبُرَ بِهَا النَّقْصَ الْمُتَمَكِّنَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ بِتَأْخِيرِ السَّجْدَةِ الْأُولَى عَنْ مَحَلِّهَا الْأَصْلِيِّ وَيَسْجُدُونَ مَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ الثَّالِثُ فَيَقْضِي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ ثُمَّ يَقُومُ الثَّانِي فَيَقْضِي الرَّكْعَةَ الَّتِي سُبِقَ بِهَا بِقِرَاءَةٍ وَيُتِمُّ الْمُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ.
وَأَمَّا إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ مُدْرِكِينَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ يُتَابِعُ الْإِمَامَ الثَّالِثَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ انْتَهَتْ إلَى هَذِهِ السَّجْدَةِ فَيُتَابِعُهُ فِيهَا لَا مَحَالَةَ، فَكَذَا الْإِمَامُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَهَذِهِ السَّجْدَةُ مِنْهَا وَقَدْ فَاتَتْهُ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ يَأْتِي بِهَا.
وَأَمَّا فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يُتَابِعُهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ فَيَقْضِي الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَهُوَ مَا أَتَى بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا أَوَّلًا ثُمَّ يَأْتِي بِهَذِهِ السَّجْدَةِ فِي آخِرِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إذَا انْتَهَى إلَيْهَا وَيُتَابِعُهُ الْإِمَامُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ انْتَهَتْ إلَى هَذِهِ السَّجْدَةِ فَإِنَّهُ صَلَّى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَتَرَكَ هَذِهِ السَّجْدَةَ فَيَأْتِي بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا فَأَمَّا إذَا كَانَ مُقِيمًا وَالصَّلَاةُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ فَصَلَّى الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَكْعَةً وَسَجْدَةً ثُمَّ أَحْدَثَ الرَّابِعُ وَقَدَّمَ خَامِسًا فَإِنْ كَانَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ مَسْبُوقِينَ بِأَنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْدَ الْأَوَّلِ جَاءَ سَاعَتَئِذٍ فَأَحْدَثَ الرَّابِعُ وَقَدَّمَ رَجُلًا جَاءَ سَاعَتَئِذٍ وَتَوَضَّأَ الْأَئِمَّةُ وَجَاءُوا يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ الْإِمَامُ الْخَامِسُ السَّجَدَاتِ الْأَرْبَعَ فَيَسْجُدُ الْأُولَى فَيُتَابِعُهُ فِيهَا الْقَوْمُ وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ انْتَهَتْ إلَيْهَا وَلَا يُتَابِعُهُ فِيهَا الْإِمَامُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْخَامِسِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ مُتَابَعَتُهُ فِيهَا، وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ يَسْجُدُونَهَا مَعَهُ بِطَرِيقِ الْمُتَابَعَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ وَيُتَابِعُهُ فِيهَا الْقَوْمُ وَالْإِمَامُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ صَلَّى تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَانْتَهَتْ إلَى هَذِهِ وَلَا يُتَابِعُهُ فِيهَا الْإِمَامُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَهُوَ مَا صَلَّى تِلْكَ الرَّكْعَةَ بَعْدُ حَتَّى لَوْ كَانَ صَلَّاهَا وَانْتَهَى إلَى السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ سَجَدَ الْإِمَامُ يُتَابِعُهُ، وَكَذَا لَا يُتَابِعُهُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّالِثَةَ وَيُتَابِعُهُ فِيهَا الْقَوْمُ وَالْإِمَامُ الثَّالِثُ فَقَطْ، ثُمَّ يَسْجُدُ الرَّابِعَةَ وَيُتَابِعُهُ فِيهَا الْقَوْمُ وَالْإِمَامُ الرَّابِعُ فَقَطْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ إمَامٍ يُتَابِعُهُ فِي سَجْدَةِ رَكْعَتِهِ الَّتِي صَلَّاهَا؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَيْهَا وَلَا يُتَابِعُهُ فِي سَجْدَةِ الرَّكْعَةِ الَّتِي هِيَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الَّتِي أَدْرَكَهَا؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ تِلْكَ الرَّكْعَةِ مُدْرِكٌ فَيَقْضِي الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ إلَّا إذَا انْتَهَتْ صَلَاتُهُ إلَيْهَا، وَهَلْ يُتَابِعُهُ فِي سَجْدَةِ الرَّكْعَةِ الَّتِي فَاتَتْهُ؟ فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا وَعَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ نَعَمْ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيَتَأَخَّرُ فَيُقَدِّمُ سَادِسًا لِيُسَلِّمَ بِهِمْ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لِمَا مَرَّ، ثُمَّ يَقُومُ الْخَامِسُ فَيُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ فِيهَا يَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ هُوَ بِالْخِيَارِ عَلَى مَا عُرِفَ.
وَأَمَّا الْإِمَامُ الْأَوَّلُ فَيَقْضِي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ وَالْإِمَامُ الثَّانِي يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِمَا ثُمَّ يَقْضِي رَكْعَةً بِقِرَاءَةٍ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ فِيهَا وَالْإِمَامُ الثَّالِثُ يَقْضِي الرَّابِعَةَ أَوَّلًا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهَا ثُمَّ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ فِيهِمَا، وَالْإِمَامُ الرَّابِعُ يَقْضِي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا وَفِي الثَّالِثَةِ هُوَ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ فِيهَا، هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ مَسْبُوقِينَ، فَأَمَّا إذَا كَانُوا مُدْرِكِينَ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَكْعَةً وَسَجْدَةً ثُمَّ أَحْدَثَ الرَّابِعُ وَقَدَّمَ خَامِسًا وَجَاءَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْخَامِسِ أَنْ يَبْدَأَ بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى وَيُتَابِعُهُ فِيهَا الْأَئِمَّةُ وَالْقَوْمُ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا هَذِهِ الرَّكْعَةَ وَانْتَهَتْ إلَى هَذِهِ السَّجْدَةِ، ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ وَيُتَابِعُهُ فِيهَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْقَوْمُ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَا يُتَابِعُهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَهُوَ مَا أَدَّى تِلْكَ الرَّكْعَةَ بَعْدُ إلَّا إذَا كَانَ عَجَزَ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَحِينَئِذٍ يُتَابِعُهُ فِيهَا، ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّالِثَةَ وَيُتَابِعُهُ فِيهَا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يُتَابِعُهُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُصَلِّيَا الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بَعْدُ، ثُمَّ يَسْجُدُ الرَّابِعَةَ وَيُتَابِعُهُ فِيهَا الرَّابِعُ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا هَذِهِ الرَّكْعَةَ وَانْتَهَتْ إلَى هَذِهِ السَّجْدَةِ وَلَا يُتَابِعُهُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُمْ مَا صَلَّوْا هَذِهِ الرَّكْعَةَ بَعْدُ، ثُمَّ يَقُومُ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ فَيَقْضِي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَالْإِمَامُ الثَّانِي رَكْعَتَيْنِ وَالْإِمَامُ الثَّالِثُ الرَّكْعَةَ الرَّابِعَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ مُدْرِكُونَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ الْخَامِسُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَالْقَوْمُ مَعَهُ لِمَا مَرَّ وَكُلُّ إمَامٍ فَرَغَ مِنْ إتْمَامِ صَلَاتِهِ وَأَدْرَكَهُ تَابَعَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ أَخَّرَ سُجُودَ السَّهْوِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُفْسِدُ صَلَاتَهُمْ؛ لِأَنَّ اسْتِخْلَافَ مَنْ لَا يَصْلُحُ أَمَّا مَا لَهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مِنْهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةِ وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَا تَفْسُدُ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الصُّنْعِ مِنْ هَذَا وَهُوَ الِاسْتِخْلَافُ إلَّا أَنَّ بِنَاءَ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ غَيْرُ سَدِيدٍ لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي فَصْلِ التَّيَمُّمِ، وَالْأَصْلُ فِي بَابِ الِاسْتِخْلَافِ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّ اقْتِدَاءُ الْإِمَامِ بِهِ يَصْلُحُ خَلِيفَةً لَهُ وَإِلَّا فَلَا.
وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُتَيَمِّمًا وَأَحْدَثَ وَقَدَّمَ مُتَوَضِّئًا جَازَ لِأَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُتَيَمِّمِ بِالْمُتَوَضِّئِ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ.
وَلَوْ قَدَّمَهُ ثُمَّ وَجَدَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ الْمَاءَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ تَحَوَّلَتْ مِنْهُ إلَى الثَّانِي وَصَارَ هُوَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْقَوْمِ فَفَسَادُ صَلَاتِهِ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ مُتَوَضِّئًا وَالْخَلِيفَةُ مُتَيَمِّمٌ فَوَجَدَ الْخَلِيفَةُ الْمَاءَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاة الْأَوَّلِ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ تَحَوَّلَتْ إلَيْهِ وَصَارَ الْأَوَّلُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْمُقْتَدِينَ بِهِ وَفَسَادُ صَلَاةِ الْإِمَامِ يَتَعَدَّى إلَى صَلَاةِ الْقَوْمِ.
وَلَوْ قَدَّمَ مَسْبُوقًا جَازَ وَالْأَوْلَى لِلْإِمَامِ الْمُحْدِثِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مُدْرِكًا لَا مَسْبُوقًا؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ» وَمَعَ هَذَا لَوْ قَدَّمَ الْمَسْبُوقَ جَازَ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْقِيَامِ بِجَمِيعِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَعْمَالِ وَلَوْ تَقَدَّمَ مَعَ هَذَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْإِمَامَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ الْأَرْكَانِ وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ مِنْ الصَّلَاةِ، فَإِذَا صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَإِذَا انْتَهَى إلَى السَّلَامِ يَسْتَخْلِفُ هَذَا الثَّانِي رَجُلًا أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ السَّلَامِ لِبَقَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ كَاَلَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَيَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ اسْتِخْلَافِ غَيْرِهِ فَيُقَدِّمُ مُدْرِكًا لِيُسَلِّمَ، وَيَقُومُ هُوَ لِقَضَائِهِ مَا سُبِقَ بِهِ وَالْإِمَامُ الْأَوَّلُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ صَارَ إمَامًا فَيُخْرِجُ الْأَوَّلُ مِنْ الْإِمَامَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَكُونُ لَهَا إمَامَانِ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ إمَامًا وَقَدْ بَقِيَ هُوَ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ صَارَ مُقْتَدِيًا ضَرُورَةً، فَإِنْ تَوَضَّأَ الْأَوَّلُ وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْأَوَّلِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ عَلَى مَا مَرَّ.
وَلَوْ قَعَدَ الثَّانِي فِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدَ ثُمَّ قَهْقَهَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَصَلَاتُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي لَاقَتْهُ الْقَهْقَهَةُ مِنْ صَلَاتِهِ قَدْ فَسَدَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَرْكَانٌ، وَمَنْ بَاشَرَ الْمُفْسِدَ قَبْلَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْأَرْكَانِ يُفْسِدُ صَلَاتَهُ، وَصَلَاةُ الْمُقْتَدِينَ الَّذِينَ لَيْسُوا بِمَسْبُوقِينَ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّ جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِمْ وَإِنْ فَسَدَ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَكِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْأَفْعَالِ فَصَلَاتُهُمْ بِدُونِ هَذَا الْجُزْءِ جَائِزَةٌ فَحُكِمَ بِجَوَازِهَا، فَأَمَّا الْمَسْبُوقُونَ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجُزْءَ مِنْ صَلَاتِهِمْ قَدْ فَسَدَ وَعَلَيْهِمْ أَرْكَانٌ لَمْ تُؤَدَّ بَعْدَ كَمَالِ حَقِّ الْإِمَامِ الثَّانِي، فَأَمَّا الْإِمَامُ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ خَلْفَ الْإِمَامِ الثَّانِي فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُدْرِكِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ الثَّانِي فِي الصَّلَاةِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ وَذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ.
وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ قَهْقَهَةَ الْإِمَامِ كَقَهْقَهَةِ الْمُقْتَدِي فِي إفْسَادِ الصَّلَاةِ أَلَا يُرَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَسْبُوقِينَ فَاسِدَةٌ وَلَوْ قَهْقَهَ الْمُقْتَدِي نَفْسُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِبَقَاءِ الْأَرْكَانِ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا.
وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَالْمَسْبُوقِ إنَّمَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي لَابَسَتْهُ الْقَهْقَهَةُ أَفْسَدَتْهُ مِنْ وَسَطِ صَلَاتِهِمْ فَإِذَا فَسَدَ الْجُزْءُ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ، فَأَمَّا هَذَا الْجُزْءُ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُدْرِكٌ لِأَوَّلِ الصَّلَاةِ فَمِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِمَا يُدْرِكُهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَأْتِي بِمَا يُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَيَأْتِي بِهِ وَحْدَهُ فَلَا يَكُونُ فَسَادُ هَذَا الْجُزْءِ مُوجِبًا فَسَادَ صَلَاتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ أَتَى وَصَلَّى مَا تَرَكَهُ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ وَصَلَّى بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ وَقَعَدَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَهْقَهَ الْإِمَامُ الثَّانِي لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ كَذَا هَذَا.
وَلَوْ كَانَ مَنْ خَلْفَ الْمُحْدِثِ كُلُّهُمْ مَسْبُوقِينَ يُنْظَرُ إنْ بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ وَاحِدًا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ يَصْلُحُ خَلِيفَةً لِمَا بَيَّنَّا فَيُتِمُّ صَلَاةَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَكَذَا الْقَوْمُ يَقُومُونَ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَيُصَلُّونَ وُحْدَانًا وَإِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْإِمَامِ شَيْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ قَامُوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلِّمُوا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ وُحْدَانًا لِوُجُوبِ الِانْفِرَادِ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ رَكْعَةً ثُمَّ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا نَامَ مِنْ هَذِهِ الرَّكْعَةِ وَقَدْ أَدْرَكَ أَوَّلَهَا أَوْ كَانَ ذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ جَازَ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَهُ وَلَا لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَإِنْ قُدِّمَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَ هُوَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبِدَايَةِ بِمَا فَاتَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَقَدَّمَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِتْمَامِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِذَا تَقَدَّمَ يَنْبَغِي أَنْ يُشِيرَ إلَيْهِمْ لِيَنْتَظِرُوهُ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ مَا فَاتَهُ وَقْتَ نَوْمِهِ أَوْ ذَهَابِهِ لِلتَّوَضُّؤِ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ هَكَذَا وَلَكِنَّهُ أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَدَّمَ مُدْرِكًا فَسَلَّمَ بِهِمْ ثُمَّ قَامَ فَيَقْضِي مَا فَاتَهُ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْبِدَايَةِ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ الْمَأْمُورَ بِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا بَدَأَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُتَابِعَ الْإِمَامَ فِيمَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ.
(وَلَنَا) أَنَّهُ أَتَى بِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَالِهَا، وَالتَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَوْ ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ لَكَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَرْكَانِ وَالْفَرَائِضِ، وَذَا جَارٍ مَجْرَى النَّسْخِ وَلَا يَثْبُتُ نَسْخُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ مِثْلِهِ، وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ جَعَلَ التَّرْتِيبَ فَرْضًا لِيُسَاوِيَ دَلِيلَ افْتِرَاضِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ صَلَاتِهِ لَمْ تَسْقُطْ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَرْضًا لَفَسَدَتْ، وَكَذَا الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ يُتَابِعُهُ فِيهِ فَدَلَّ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَتَرْكُهَا لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ.